على مفترق طرق آخر – حرب السيادة
جلست كعادتي وككل صباح أحتسي فنجان القهوة الساخن وأنا أشاهد تشغيلي لجهاز الحاسوب الذي بات ساكنا طوال ليلة الأمس الدافئة لكي يشهد جولة أخرى ساخنة من إستطلاع للأخبار وإستسقاء للأحداث. ويبدو أنني بت أشعر برغبة ملحة للتدوين لعظم المشهد وقوة الإثارة اللذان باتا ينبعثان من الحدث تلو الحدث. وأكاد أن أجزم بأننا نقف أمام تاريخا جديدا يكاد أن يُصنع. وفي خضم هذه الإثارة أتنهد مرة أخرى وأسأل نفسي: هل هو تاريخ جديد يُصنع أم هو إعادة لمشهد من مشاهد التاريخ القديم؟ هذا الذي لم أستطع أن أحسمه للأن.
نعود أولا لتاريخ قديم نستعيد منه لذكريات أحداث مثيرة باتت محفورة في مخيلة كل مهتم ومراقب.
الزمن : أوائل الثمانينات
الأطراف: شركات غدت كالعلم في كل حي ومنزل (شركة أي بي أم وشركة أبل) بالإضافة إلى شركة ناشئة كان إسمها ميكروسوفت.
أما الحبكة فهي كالتالي وبإختصار:
نظام حاسوب (جهاز وبرمجيات) متقن وناجح بات إنشاره الواسع مؤكدا وكان من شركة (أبل). وتحدي واضح وصريح من شركة (أي بي أم) تمثل بإطلاق أول جهاز قياسي مفتوح عُرف (بالبي سي كلون) أو الجهاز الشخصي المنسوخ. كان جهازا واعدا ولكنه كان ناقصا. فالبرامج التي تعمل عليه لم تكن متيسرة. هنالك سمع بالأمر صقر ناشئ إسمه بيل غيت والذي نجح بتوفير نظاما أُطلق عليه إسم (دوس). وكلنا نعرف تكملة القصة. فالدوس ترعرع ونضج وإنطلق منه نظام ويندوز والذي ساد لأكثر من ثلاثة عقود من الزمان. ونشأ مارد ضخم إسمه ميكروسوفت. السيادة في تقديري نشأت من فكرة النظام المفتوح للحاسوب الشخصي من (أي بي أم) ورغبة ميكروسوفت بجذب كل من سولت له نفسه بتطوير برمجيات تعمل على نظام ويندوز. بينما أصرت شركة أبل على أن يكون نظامها الذي عُرف بإسم (الماكينتوش) مغلقا تماما فالتطوير منها فقط أو من مجموعة موافق عليها من المطورين تحت إشرافها. وإنطلق الجني من المصباح ولم يعد إليه أبدا. إنطلقت شركات ونشأت إمبراطوريات وبرزت النمور الآسيوية. وبات الحاسوب الشخصي في كل مكان وبتكلفة يسيرة.
نعود إلى الحاضر وندون المشهد كما نراه:
بعض الوجوه القديمة ووجوه جديدة. أما الحبكة فهي ذات الحبكة بسيرتها الأولى. وكأن التاريخ يعود.
شركة (أبل) المارد الصاعد الذي وُلد مجددا بعد أن نجا من تواتر الملوك وتكالبهم عليه حاولوا المرة تلو الأخرى للقضاء عليه دون جدوى. لقد وجد ذلك المارد سلاحا حادا آخرا ووجد ساحة قتال أخرى. وجد الهواتف الذكية. ولكنه لا يزال مصرا على ذات الفكر وذات النهج الذي أقصاه عن مملكة الحواسيب الشخصية.
الوجه الجديد هو مارد عصي عتي إسمه (قوقل).
حلبة الصراع: مملكة الهواتف الذكية وما ينبثق عنها من أجهزة وبرامج وأدوات.
الأسلحة المستخدمة في الصراع الجديد: نظام (أي أو أسiOS ) من شركة (أبل) وأجهزتها المختلفة وهي نظم مغلقة لا يعمل في تطويرها إلا الشركة ذاتها أو مجموعة محكمة تقع تحت السيادة التفاحية. ونظام جديد نسبيا إسمه (أندرويد) من شركة قوقل وهو نظام مفتوح يعمل على أجهزة يستطيع كل من سولت له نفسه بتطويرها. والأهم من ذلك أن نظام (أندوريد) هو مجاني تماما ويشارك في تطويره عشرات الآلاف من المطورين الذي لا يخضعون للسيادة القوقلية.
أما الوجوه الأخرى فلقد سمعت أكثر من تعليق على سلوكهم كان أدقها: صح نومكم أيها السادة. وكأن أحدهم وصف المشهد بالتالي:
يلعب ماردان لعبة شطرنج وهما (أبل) و (قوقل) وكأن حاضري اللعبة باتوا يسمعون (قوقل) تصرخ في أكثر من مرة (بكش ملك). أما (أبل) فباتت وكأنها تنتهج الدفاع لتحمي به مملكتها التي بدت وكأنها سائدة قبل تحدي المارد الجديد لها. أما مايكروسوف فلا تزال تهرول بحثا عن ملعب الشطرنج. وكأن خبراء الشطرنج وهواتها الذين باتوا يشاهدون تلك الجولة المتزايدة الإثارة أصبحوا جازمين بأن النصر هو حليف للقوقل والأندرويد. ففي كل يوم تشرق فيه الشمس يزداد عدد المنضمين لركب الأندرويد بمائة وستون ألف مستخدم جديد حسب بعض التقديرات المعلنة. ويبوح أكثر من سبعة وخمسون بالمائة من المطورين المستفتين بأنهم سوف يصبون جل تطويرهم على نظام الأندرويد وهو رقم يتزايد في كل يوم. أما المردة الآخرين مثل شركات (إنتل) و (ديل) و (أتش بي) و(أيسر) و(أدوبي) ومئات من العملاقة المعروفين فهم إما بدأوا بإطلاق منتجات جديدة تعمل بنظام الأندرويد أو أنهم أعلنواعن إنضمامهم تحت رايته. ونستطيع أن نخمن ما الذي قد يحدث في غضون السنوات القليلة القادمة من إطلاق لمنتجات وخدمات في هذا الإطار. يقول البعض بأن الحواسيب التقليدية بدأت بالإحتضار البطيء ويجزم الجمع بأنها سوف تكون في عداد الديناصورات. فالمستقبل كما يقولون هو للأندرويد ومشتقاته.
ولكن مالذي يعنيه كل هذا للكفيف؟
نظام الأندرويد يراعي إحتياجات الكفيف بشكل لا ريب فيه منذ إنطلاقته الأولى ولا شك لدي بأن الإهتمام بإحتياجات الكفيف سوف يستمر في مسيرة نضوح الأندرويد. وسوف أتناول في تدوينات لاحقة أهم المستجدات على كل ما يهم الكفيف في نظام الأندرويد.
أعود الآن إلى فنجان قهوتي والذي يبدو وكأنه لا يزال ساخنا بعد تدوين كل هذه الأمور المثيرة.
إلى لقاء.
عودة هزيم