English إقفز إلى المحتوى اقفز الى روابط تهيئة طريقة العرض وحجم الخط

أين نوح الحديدي؟

مقال من صحيفة الشباب العمانية

يكمل تعليمه الجامعي في أمريكا ويامل تحقيق الكثير
نوح الحديدي يعوض فقدان البصر بـ"البصيرة" ويحقق ما عجز عنه الكثير من المبصرين

نوح مع زملائه الدراسة

1/6/2010
حوار : زينب الانصارية

كثيرا ما نردد ويتردد على أسماعنا مقولة أن الله حين يحرم عبدا من عباده من نعمة ما في بدنه فهو يعوضه عنها بنعمة بديلة بحيث يستطيع من خلالها أن يعيش حياته دون حتى أن يشعر بهذا الحرمان، وهذا ما لمستُه شخصيا من خلال اللقاء الذي جمعني بنوح الحديدي وهو شاب حرم من نعمة البصر في سن السبعة الأشهر لكن مع هذا لم يستطع الحرمان أن يعوق حياته أبدا إذ إن طموحه اللامحدود وثقته الكبيرة في نفسه وقدراته جعلته يقهر أعتى الصعاب ويبرهن لكل الناس أن الإعاقة لا يمكن أن تقف حائلا بأي شكل من الأشكال أمام الانطلاق والوصول إلى الهدف .

لقائي بنوح جاء حين حدثتني عنه صاحبة السمو السيدة علياء بنت ثويني آل سعيد الرئيسة الفخرية لجمعية النور للمكفوفين والتي لطالما تبنت حالات كثيرة من المكفوفين كنت أنا شخصيا شاهدة عليها لكن مالاحظته من اختلاف بين حالة نوح والآخرين هو أسلوب التعبير الذي استخدمته السيدة علياء في حديثها عن نوح الحديدي، فقد كانت مسترسلة في الخوض في مواهب هذا الشاب وطموحه وما يتمتع به حب للعلم والتعلم والذكاء الكبير الذي حباه الله به وأقولها صراحة ما لمسته من صدق الحديث والتأثر في عيني السيدة علياء جعلني أتشوق لرؤية هذا الشاب الذي استحق كل هذا المديح والاهتمام من قبل صاحبة السمو، وكان أن اتفقنا على أن ألتقي به في اليوم الثاني في جمعية النور للمكفوفين .

لم أكن أتوقع أنني سألتقي بشاب بشوش وواثق بهذا الشكل الكبير، فما يتمتع به نوح من اعتزاز وثقة وطموح وهدف قد لا يتمتع به الكثير من المبصرين، فطوال فترة لقائي به وحواري معه لم تفارق الابتسامة شفتيه ومن شدة إعجابي بكلامي الذي يعكس الشخصية القوية التي يتحلى بها هذا الشاب نسيت بالكامل أنه كفيف وقلت "سبحان الله، صحيح أن الإنسان هو الذي يستطيع بإرداته وطموحه وشخصيته أن يطمس أية إعاقة مهما كانت سواء في داخله وحتى في داخل الناس".

اجتمعنا أنا وهو والسيدة علياء والأخت بركة البكرية عضوة مجلس إدارة جمعية النور للمكفوفين، وشدتني الطلاقة واللهجة المتقنة في اللغة الإنجليزية والتي يتحدث بها نوح حين كان يوجه الكلام للأخت بركة ليعبر لها بشكل أوضح عن ما يواجهه من مشاكل وعقبات في طريق وصوله لهدفه العلمي الذي يطمح إليه لكن مع كل المشاكل التي كان يسردها كانت الابتسامة مرسومة على شفتيه وكأنه يريد بذلك أن يوصل رسالة لكل الناس أنه مع وجود المشاكل لا يمكن للطموح أن يفتر ويطمس وما هذه المشاكل والعقبات سوى فقاعات مليئة بالهواء لابد أن تنفجر وتتلاشى .

ربما أكون قد أطلت عليكم بمقدمتي وألتمس منكم العذر، فحين يجد الواحد منا أشخاصا مثل نوح بهذه الشخصية القوية والطموح الكبير تتقافز الكلمات وتتنافس لتعبر عن احترامها وإعجابها بهم وهذا ما حصل معي بالضبط فوددت أن أنقل لكم الحوار الذي دار بيني وبين الشاب نوح الحديدي لنقف جميعنا معه ونسانده لكي يحقق طموحه وهدفه الذي يرمي إليه وهو افتتاح مؤسسة تعليمية تعنى بالمكفوفين تعلم التخصصات العلمية وبها يبرهن للجميع أن الكفيف يستطيع أن يبدع في كل المجالات بتوفيق الله له أولا وبإرادته وطوحه ثانياً.

لن أطيل أكثر وأترككم لتتعرفوا على نوح بن طالب الحديدي الطالب بإحدى الجامعات الأمريكية والذي بدأ حديثه معنا في سرد ذكريات دراسته الأولى إلى أن وصل إلى الجامعة الأمريكية التي يدرس فيها قائلا: اسمي نوح بن طالب الحديدي أبلغ من العمر اثنين وعشرين عاما، فقدتُ نعمة البصر حين كنت في الشهر السابع من عمري ، درست المرحلة الابتدائية والإعدادية في مملكة البحرين في المعهد السعودي البحريني للمكفوفين، وحين وصلت للصف السادس بدأت أتدرب على الحاسوب لكن دراسته له كانت من دون قارئ للشاشة، وهذه الطريقة التي يتعلم بها الكفيف عادة الحاسوب كنت فقط أتدرب على الكتابة لكن من دون أن أعلم ماذا يظهر على الشاشة وهذا كان يمكن أن يكون محبطا لي، لكن لم أسمح للإحباط أن ينال مني لأنني إن فعلت لما كنت وصلت بعد مدة زودونا بقارئ الشاشة والذي سهل علينا الكثير في تعلمنا الحاسوب وأصبحت طوال فترة دراستي الإعدادية أتعلم على الحاسوب وأتدرب عليه، بعدها رجعت إلى بلدي الغالي عُمان، والتحقت بجمعية النور للمكفوفين بدورة مع شركة الناطق في برنامج هال وأيضا في جهاز السطر الإلكتروني، بعد ذلك تقدمت لدراسة الثانوية في المملكة العربية السعودية وما ساعدني على القبول هو نسبتي في مرحلة الإعدادية والتي كانت 91 % ودرست في السعودية لمدة ثلاث سنوات هي فترة المرحلة الثانوية وفي السنة الأخيرة عينت وكيلا لشركة ناطق في السعودية أنهيت المرحلة الثانوية بنسبة 96.31 % بالقسم الأدبي لأنه وللأسف الشديد في الدول العربية هناك مفهوم خاطئ وهو أن الكفيف ليس بإمكانه أن يتخصص بالمجال العلمي وهذا ليس صحيحا وأنا شخصيا أثبت ذلك إذ إنني أدرس حاليا علوم كومبيوتر.

بعد الانتهاء من المرحلة الثانوية بدأت رحلة البحث عن الدراسة الجامعية والتقيت بالسيدة علياء آل سعيد والأستاذة بركة البكرية وطرحت عليهما أملي وأمنيتي في مواصلة الدراسة وهما بدورهما لم تقصرا أبدا معي فبفضل الله وفضلهما أدرس الآن في أمريكا.

*كيف كانت مساعدتهما لك ؟

طلبت مني صاحبة السمو السيدة علياء آل سعيد أن أكتب رسالة موجهة لمعالي وزيرة التعليم العالي أطلب فيها مواصلة الدراسة الجامعية وبدورها تابعت الموضوع مع معاليها وفي هذه الفترة وحتى أن يأتيني الرد وكي لا أضيع الوقت سجلت في جامعة السلطان قابوس تخصص أدب إنجليزي ودخلت دورة اللغة التأسيسية والتي تعطى للطلبة الجامعيين في بداية التحاقهم بالجامعة، وبعد أربعة أشهر جاءني القبول للدراسة في الولايات المتحدة الأمريكية في (جامعة آركينتساس ) وقد حصلت على نصف بعثة من قبل وزارة التعليم العالي مع ان وضعي وظروفي بحاجة الى بعثة كاملة لكن صاحبة السمو لم تقصر معي فقد رتبت لي تكملة البعثة وكانت مصرة على ان اواصل تعليمي وانا من جانبي اشكرها من كل قلبي على كل ماقدمته لي .

*ألم تتخوف من السفر إلى بلد بعيد مثل الولايات المتحدة بمفردك ؟

أبدا، لم أسمح للخوف أن يعتريني أبدا وأزيدك علما أن السفارة الأمريكية وافقت على منحي أنا فقط تأشيرة الدخول والدراسة في أمريكا دون أي مرافق وهذا قد يكون صعبا على شخص ظروفه كظروفي لكنني أصررت على الذهاب مهما يكن وعلى التحمل بمفردي لأنني كنت صاحب هدف وأريد أن أحققه وجاء موعد سفري وكان لابد أن أصل إلى إحدى الولايات الأمريكية ومن هناك أستبدل الطائرة بأخرى لأصل إلى الولاية التي تقع فيها جامعتي وبينما كنت أنتظر في البوابة لم أعلم أنه قد تم استبدال البوابة الخاصة برحلتي ببوابة أخرى وطارت الطائرة دون أن أعلم .بعدها لاحظت إحدى موظفات المطار جلوسي الطويل وأتت للاستفسار مني عن رحلتي وعلمت وقتها أن طائرتي طارت ومع هذا لم أتوتر بل كنت أعتبر كل ما يصادفني من عوائق ماهي إلا تجارب وخبرة أكتسبها وستفيدني في المستقبل، ولن أطيل عليكم فقد وصلت إلى الولاية المنشودة في الصباح حيث كانت الجامعة قد ابتعثت شخصا منها ليستقلني إلى مكان السكن وتمت الرحلة على خير.

*ماذا بعد ذلك، ألم تشعر بالغربة هناك ؟

إطلاقا فقد كنت اجتماعيا مع الجميع ووجدت كل العون من زملائي الذين كانوا دائما يشدون على يدي ويعرضون علي المساعدة، وهذا كان يعطيني حافزا للانطلاق، وفي بداية التحاقي بالجامعة أخضعوني لدورة خاصة لأتعلم من خلالها كيف أقوم بتجهيز طعامي وترتيب حقيبتي والاهتمام بشؤوني الخاصة وكذلك استخدام العصا وحتى خياطة زرار قميصي إن احتجت لذلك كانت دورة مهمة جدا استفدت منها الكثير وساعدتني كثيرا في تسهيل الأمور، وعلى فكرة كنت مصرا على تكملة الدورة ومواصلتها مع أن مكان الدورة كان يبعد عن جامعتي مسافة ساعتين بالسيارة .

بعد هذه الدورة درست "التوفل" وأكملته بامتياز وبعدها بدأت الدراسة في تخصصي وكنت سعيد جدا بما وصلت إليه وحققت نسبا عالية جدا أثارت إعجاب مسؤولي الجامعة، وكل ذلك كان بالنسبة لي حافزا يدعوني للتقدم، لكن للأسف مع مواصلة الدراسة اكتشفت أن الجامعة التي اختيرت لي لم تكن الجامعة التي تتلاءم مع وضعي وظروفي فقد كانت تعيقني الكثير من العوائق، صحيح أنني كنت أتجاوزها من خلال إصراري ومساعدة زملائي لي لكن لا أنكر أن الوضع كان صعبا علي ويصعب أكثر شيئا فشيئا .

* في هذه الحالة كيف تصرفت ؟

فتحت موقع في الفيس بوك وتعرفت على أصدقاء في كل العالم وصرت أبحث بنفسي عن أشخاص ظروفهم مثلي ووجدت الكثيرين منهم يدرسون في جامعات تقدم كل العون والتسهيلات للمكفوفين لأن هناك في أمريكا توجد جامعات تضع ضمن مخططاتها واستراتيجياتها الاهتمام والتسهيلات للمكفوفين وقد وجدت الجامعة التي تتلاءم معي في ولاية كلورادوا وقدمت الطلب فيها وجاءني القبول والحمد لله لكن ما يعوق انتقالي إليها هو أن الولاية التي تقع فيها هذه الجامعة كانت إيجارات السكن أغلى وبالتالي أحتاج إلى زيادة في المصاريف وخصوصا أن الكتب التي أشتريها من الجامعة تستنزف كل ما أملك حتى ما أدخره لغذائي مع هذا أصررت على أن أغادر وألتحق بهذه الجامعة وأتمنى أن يفرج الله علي وأن أستطيع مواصلة دراستي وتحقيق حلمي الذي لطالما حلمت به وهو تأسيس مؤسسة تعليمية خاصة بالمكفوفين لتعليمهم المجال العلمي والإلكتروني وعلوم الحاسوب.

أنهيت الحوار مع نوح والتفتُّ إلى صاحبة السمو السيدة علياء بنت ثويني آل سعيد لأستفسر منها عن الوضع الذي سيؤول إليه نوح فقالت :

حاليا نحن في الجمعية سنتكفل بمصاريف الدراسة، لكن لا أخفيك فهي كثيرة ونتمنى من أصحاب الأيادي البيضاء أن يقدموا يد العون لهذا الشاب الطموح والذي أرادت عدة دول أن تتبنى دراسته في الخارج لكننا لم نوافق على ذلك لأنه عماني وبلده أولى به ونتمنى من أهل بلده أن يقفوا إلى جانبه لتحقيق هدفه الذي هو في الأخير يعود بالنفع على وطنه وأهل وطنه .