بناء المجتمعات من خلال إبراز الموهوبين
نقف اليوم أمام مشهد يستحق الوقوف عليه لأنه يصور كيف يمكننا أن نساهم في بناء مجتمعاتنا لبنة لبنة. ولا يخفى على أحد منا بأن أحد أهم التحديات القائمة في مجتمعاتنا هي التعرف على الأفراد الموهوبين ومحاولة تقديم شتى المصادر المطلوبة لهم لكي يتمكنوا من تطوير تلك المواهب لما لها من أهمية مستقبلية نحو تطوير المجتمعات وإبراز الموهوبين الذين يثمنون ما يحصلون عليه من الدعم للمساهمة في بناء مجتمعاتهم ومساعدة الموهوبين الآخرين في أوطانهم.
ولا يوجد نقص في الموهوبين في مجتمعاتنا ولكنهم يسيرون بيننا يمشون ونراهم ولا نجرأ على إظهارهم أو عونهم لأنهم قد يُشكلوا خطرا علينا لأننا ننافسهم في الفرص التي يجب أن تكون لأفضل الموهوبين، فلو أننا طمسنا مواهبهم لكي نخفيها عن الأعين والأذهان لتوفرت لنا فرص أكبر من فرصهم لأننا معنيون بأنفسنا وليس بالغير. ويجئ نيجة لذلك أناس غير مؤهلين في أماكن يُصنع فيها القرار ويُساء فيها للموهوبين وهكذا تُهدم الأوطان والمجتمعات فيسود الجاهل المعني بمصالحه الشخصية ويلم من حوله بطانة فاسدة تذود عنه الكلام والنقد وتستمر بالتبجيل والمدح لإلتقاء المصالح ويضيع الشاب الموهوب والرائد المنتظر في طيات البيروقراطية الفاسدة.
وقد يقول قائل أن لديه الموهبة وأن مواهبه تستحق الإبراز وقد يكون محقا بذلك ولكن هناك عقبة عادة ما تحول بينه وبين إبراز مواهبه وهي تعزيز الذات على حساب المواهب. فمعظم من يعتقد أنه موهوبا يسير بين الناس مادحا لذاته على حساب مواهبه فتكون هذه ذريعة للبعض لمحاولة طمس مواهبه ووصفه بالكبر والخيلاء.
أتحدث في مقالي هذا عن مثال رائع لمحاولة بناء المجتمع من خلال إبراز المواهب وذلك بإستعراض تجربتي بهذا الخصوص مع الزميل نوح الحديدي والذي يمتاز بمواهب ذات أبعاد عميقة أهمها إنكار الذات وإبراز المواهب بالإضافة إلى نضوج واضح رغم حداثة سنه. العديد من الموهوبين الذين تعاطيت معهم ينظرون إلى المردود الفوري نظير مواهبهم أو نشاطاتهم غافلين عن المردود بعيد المدى والذي في تقديري يعتبر أهم من المردود الفوري. أما نوح فلا يهمه المردود ويعمل لحبه للعمل ويخدم لحبه للخدمة ويجد في ذلك متعة جمة. فعلاقته بالناطق تعود إلى أكثر من أربعة سنين من التواصل لذلك تأنينا في معرفته وتقييمه وكان لزاما علينا أن لا نكون أنانيين معه عندما أخبرنا أنه على وشك أن ينهي دراسته الثانوية. فالسيد نوح الحديدي هو مرشح ممتاز للعمل في شركة الناطق ولكن لا نكون قد أسدينا له خدمة بتوظيفه في الناطق حتى لا نحرمه من حقبة أساسية وهي حقبة التحصيل الجامعي والتي هي مفعمة بالتجارب غير المحدودة لاسيما إذا كانت في بلد غربي.
وعندما أخبرني الزميل نوح بأنه يبحث عن فرصة لدخول جامعة تسمح له بدراسة علوم الحاسوب، لم يخفى علي صعوبة ذلك في الوطن العربي. ولكن قبل الخوض في أي الجامعات يستطيع الإلتحاق بها كان من الواجب تأمين بعثة دراسية له أولا فهو موهوب ويستحق ذلك.
كتبت عدداً من الرسائل لعددٍ من الأصدقاء والمعارف في محاولة جادة لتأمين بعثة دراسية للزميل نوح وأحد الرسائل كانت لسيدة فاضلة وموهوبة لم يعرف قدرها الكثيرون من المعنيين في أوطننا وهي السيدة الفاضلة/ بركة البكري من سلطنة عمان. فالسيدة/ بركة البكري أفنت عمرا حافلا بالتطوع بالمال والخبرات والمجهود لفئات عديدة من ذوي الإحتياجات الخاصة وخاصة المكفوفين. إستجابت السيدة/ بركة وقامت على الفور برفع هذا الأمر إلى صاحبة السمو السيدة/ علياء بنت ثويني آلسعيد والتي رفعت هذا الأمر إلى معالي وزير التعليم العالي بسلطنة عمان وجائت الموافقة المبدئية بعد أن أقرت جمعية النور للمكفوفين في عمان هذا الأمر وأشارت على السيد/ نوح الحديدي بالبدء في مراسلة الجامعات التي يرغب بالإلتحاق بها.
وبالرغم من أنه كان لدي بعض الإقتراحات عن بعض الجامعات في أمريكا، رأيت أن أستشير سائر الشركاء والأصدقاء في الشرق والغرب لشركة الناطق حتى يتسنى لنا أن نصل إلى أفضل الجامعات والتي من الممكن أن توفر أفضل الدراسات والخدمات للزميل نوح الحديدي وها أنا أكتب هذا الكتاب بالإضافة إلى كتاب آخر بالإنجليزية لمخاطبة الأصدقاء في أمريكا وأروبا بالإضافة إلى تسجيلات نشرات البودكاست آملا أن أسمع من سائر الشركاء والأصدقاء الذين لديهم تجارب في مجال دراسة المكفوفين في الجامعات الغربية. كما أغتنم زيارتي لأمريكا للإجتماع مع ممثلي الجامعات الذين يزورون معرض سي صن لكي أستسقي منهم سائر الأمور والأفضليات للجامعات التي يمثلونها وأنا متفائل من أننا سوف نصل إلى أفضل الجامعات في هذا الخصوص.
نشعر بالسعادة تغمرنا في الناطق لآننا نقوم بواجبنا في بناء المجتمع بالإشارة إلى المواهب المتميزة ومحاولة حشد المصادر المطلوبة من سائر نواحي المجتمع العامة منها والخاصة لكي نهًُبُ جميعا لتقدير الموهوبين. فهكذا تُبنى المجتمعات وهكذا تتميز عن نظيراتها من المجتمعات الأخرى. الطريق أمامنا شاق وطويل ولكن لا بد أن يكون هناك بداية وها نحن نبدأ مع كل من هم معنيين في هذا المجال.
أما بالنسبة للزميل نوح الحديدي، فهذه شخصية متميزة ننصحكم بأن تتابعوا نجاحها وتطورها لأنها إن شاء الله سوف تعود وتخدم وطنها وتعمل على إبراز مواهب ناشئة جديدة أخرى لأنها تنشر المعلومة ولا تحجبها.
ونغتنم هذه المناسبة لكي نضع بعض النصائح للموهوبين من حولنا وما يجب أن يتوفر في شخصياتهم لكي يعززوا من مواهبهم:
01. إنكار الذات وإبراز المواهب
02. التقليل من كلمة أنا فإنها تذهب من الهيبة. فلا حاجة للأسد في أن يزئر، فهو أسد ويعرفه الجميع بأنه أسد. ويُأخذ على المتميز المادح لذاته بأنه متكبر ومتعجرف وقد يكون ذلك سببا في الحيلولة بينه وبين تحقيق أهدافه التي قد تكون حقا له.
03. الإلتزام بالأدب والأخلاق العليا مهما كانت الظروف والأحوال لأن قلة الآدب تُذهب من التميز وتسود لدى الناس نظرة سوء الخلق عنه والتي قد تطغى لديهم على تميزه.
04. النظر إلى المردود المعنوي والمردود بعيد الأمد. فالعمل والتعامل يجب أن يعكس الموهبة الكامنة مما يعمل على تعزيزها وإبرازها حيث يعتبر ذلك أفضل مردود.
05. عدم حجب المعلومة. المتميز يظهر المعلومة وينشرها على أن تكون ضمن التعامل الخلقي (ويجب أن يبعد عن القرصنة مهما حاول البعض أن يجيزها أو يبررها ). فنشر المعلومة المفيدة تكسب المتميز أوسمة مرئية وخفية. وأحد أسباب الكوارث والتردي المعلوماتي في أوطاننا هو إخفاء المعلومة حتى لا يستفيد الآخرون منها فيجتازون بتميزهم تميز ناشر المعلومة. يجب أن تقوم بواجبك حتى لو لم يلاحظ الآخرون مجهودك لأن ذلك هو حقا لمجتمعك ووطنك عليك.
وإذا إلتزمت أيها الموهوب بكل هذه الأمور ولم يلاحظ أحد موهبتك فننصحك بالصبر والتقوى لأن ذلك من عزم الأمور.
تستطيعون التواصل مع الزميل نوح الحديدي والإستفادة من تجربته المتميزة على: nooh@nattiq.com
وفي النهاية أشكر من القلب كل الذين شاركوا في إنجاح هذا المشروع الرابح: مشروع بناء الأوطان بإبراز المواهب وعلى رأسهم:
- صاحبة السمو السيدة/ علياء بنت ثويني آلسعيد
- معالي وزير التعليم العالي في سلطنة عمان
- أختي وصديقتي وأحد أروع من لا يكل ولا يسأم من العمل لبناء الأوطان وخدمة ذوي الإحتياجات الخاصة الفاضلة/ بركة البكري
- أعضاء مجلس الإدارة في جمعية النور للمكفوفين في عمان
- زميلي وصديقي وأخي نوح الحديدي والذي بهرنا بتميزة وصبره وعمله ونشره للمعلومة دون أن يتوقع أي مردود يُذكر.
عودة هزيم
الناطق للتكنولوجيا