صديقي توني وقصة طريفة
سررت ذات صباح حينَ أدرت جهاز الحاسوب كعادتي لاتصفح رسائلي الإليكترونية والتي عادة ما تحمل المثير من الشئون. وبعد الإستطلاع السريع الأولِي لعناوينها، لمحت العنوان التالي: "أنا صديق قديم لعودة هزيم فقدت الاتصال به لعشر سنوات مضين، هل لكم أن تهدوني إليه؟"
كان مرسل تلك الرسالة هو أحد أصدقائي في أمريكا وهو توني ديماريا شاب ذكي جدا. كان لتوني شركة كمبيوتر منافسة لشركتي آنذاك. أصبحنا أصدقاء وبدأنا نتعاون في مجالات شتى وله عليِّ فضل، فلقد تعلمت منه بعضا من شئون الأعمال وإدارتها فهو بحق شاب مبدع لا يخلو ذهنه من الأفكار المثيرة الحسن منها أو ذلك الذي يحمل ضربا من ضروب الغرابة والطرافة.
كثيرا ما كنا نلتقي ونخرج سويا إلى هذا المكان أو ذلك المكان. وكالعادة لم تخلُ لقائاتنا من التسلية والإثارة. فكم من ليلة قضينا سوادها ننظر في المستقبل مستعرضين باقاتٍ من الأفكار وكيف يمكن أن نطوعها في هذا المشروع أو ذاك. لم تخلُ لقائاتنا من الطرائف أيضا. فكثيرا ما أجد نفسي في خلوتي أبتسم لذكراها بل وأقهقِه لها دون سَأَم ففي كل مرة أتذكرها أستَعيدُها بأجواءها وأُحس كأنها تحضرني لأول مرة.
وبما أني فرغت للتو من قراءة بعض ملاحظات المشاركين في إحدى المدونات عن المشاركة وأهميتها وعدم ازدراء ما كبر منها وما صغر، حضرتني قصة طريفة وقعت لتوني أردت أن أدونها.
ذكر لي توني أنه إبان دراسته في إحدى جامعات نيويورك كان يقيم فيما يُعرف بالسكن الإغريقي نسبة إلى الحروف الإغريقية التي يحملها اسم السكن. وهو سكن تتبناه معظم جامعات أمريكا حيث أصبح جزءا لا يتجزأ من ثقافتها الاجتماعية الطلابية . السكن الإغريقي يتم الإلتحاق به بالعضوية فقط وبشروط صارمة. وله مميزاته حيث يتعلم المقيم فيه أمورا تفيده في حياته ناهيك عن العلاقات التي يَنسِجها مع الزملاء الآخرين فيه والذين عادة ما يكونون من صُناع قرار محتملين. فعضوية السكن الإغريقي تعتبر من الخِصال التي يُسعى لها.
و أهم ما يُميز هذه التجربة هو الانضباط والإنخراط تحت راية الفريق الواحد. للفريق نشاطات اسبوعية بل ويومية يُناط بكل مشارك فيه جزءا من المهمة الكبيرة. ومن أهم نشاطاته هو جمع الأموال بطرق مبدعة لتمويل النشاطات المختلفة.
أخبرني توني بأنه في إجازة نهاية أحد الأسابيع، قرر الفريق أن يُروج لسوق خيري يُشارك كل رفيق ببضع من ممتلكاته الفائضة عن حاجته. ويتم عرض تلك الأشياء في السوق الخيري لكي يبتاعه زوار السوق.
وفي اليوم الموعود، بدأ الرفاق بإحضار أصناف متنوعة من ممتلكاتهم للمشاركة بها، فهذا يحضر سروال من الجينز وهذا يقدم ساعة من الساعات وهذا يتبرع بكرة من الكُرَات وأخر يقدم كتابا من كتبه وهكذا . وبدأت الأصناف تكثُر وتربو وكذلك الإثارة حيث لاحت نشوة النجاح في الأفق.
وفي هذه الأثناء أقبل أحد المشاركين وبيده غرضا ازدراه توني وسائر الرفاق. كان ذلك الغرض هو عبارة عن مقعد قديم لمرحاض إفرنجي. فمن المعروف أن المراحيض الإفرنجية تحتوي على حوض يشبه المقعد المجوف وإطار متوسط يعلوه ويرتبط به عند قاعدة خزان المياه، ثم غطاء الحوض الذي يعلوهما. جاء صاحبنا بالإطار والغطاء وأراد أن يُشارك بهما في السوق الخيري.
أمعتوه أنت؟ صرخ توني ومن حوله من الرفاق. في ذلك الشاب فمن ذا الذي يمكن ان يبتاع كرسيا قديما لمرحاض بعد استخدامه أنكر استخدام؟
أصر الرفيق على رأيه وأصر توني والرفاق على خلاف ذلك. وانتصر توني والرفاق، وانسحب الرفيق الخاسر يجر أذيال خيبته وكرسي مرحاضه خلفه.
ويضيف توني أنه ما لبث إلا بضع دقائق بعد إبتداء السوق إلا واحدهم يدخل المعرض ويُدهش توني سائلا: هلاّ وجدت لديكم كرسي مرحاض قديم؟ فلقد كسرت كرسي مرحاضي صباح اليوم ولا يوجد لدي ما يكفي من المال لشراء كرسي جديد.
إنطلق توني مسرعا خلف الرفيق الخاسر يبحث عنه في كل مكان إلى أن وجده ، وقال له: تَعالَ فيبدو أنك لست بالمعتوه الوحيد في هذا العالم، لقد وجدنا معتوها آخرا يريد كرسيك العَفِن.
نهاية القصة.
في الحقيقة أنه لا يوجد حدود للإبداع ويجب عدم ازدراء المشاركة مهما أُعتُقد بسخفها. ويجب قبول الأفكار والمشاركات كلها، فلا تدري نفس من أين تأتي تلك الفكرة البارعة ولا تدري ما هو لون حاجة الناس وما الذي يلبيها.
عودة هزيم